رئيس التحرير
أيمن حسن

خلال الأجتماع الثاني لوزارة على ماهر باشا (أول وزارة بعد ثورة 23 يوليو 1952)، صدر أمر رسمي يحمل رقم 68 لسنة 1952 بإلغاء الرتب والألقاب المدنية الرسمية وعلى رأسها الباشا والبك "البيه كما نسميه"، وكان القرار صادر عن وزارة أغلب أعضائها من حملة الرتب والألقاب المدنية يهدف -وفق المسؤولين وقتها- إلى القضاء على الطبقية وإقامة عدالة اجتماعية، وتم الاكتفاء بلقب "المحترم" في المكاتبات الرسمية كافة.

وفي وقت لاحق، تم حظر الألقاب في دستور عام 1956، وتكرر هذا الحظر في الدساتير المصرية بما فيها الدستور الحالي الصادر عام 2014 الذي نصت مادته 26 على حظر إنشاء الرتب المدنية والمقصود بها هنا كل الالقاب المدنية، والتي ننادي بها بعض طوال اليوم وداخل المصالح الحكومية وخارجها، حتى أصبحت وسيلة لمجاملة شخص ما يقدم خدمة للجمهور المفروض أنها خدمة مجانية متاحة للجميع، فلا داعي أذا من مناداة الشخص بلقب "الباشا والبيه" حتى ننتهي من قضاء حاجتنا. 

نعود من جديد للحديث عن الكارثة التي وصلنا إليها من وراء تطور الألقاب من "باشا وبيك" الي "معالي المستشار ومعالي السفير" والدكتوراة الفخرية التي نستطيع الحديث عنها بلا حرج بأن أشخاص من غير المتعلمين حصلوا علي لقب "دكتور" عن طريق واحدة من جمعيات "بير السلم" التي تعمل بالمخالفة للقانون وتنظم كل عام احتفالية ضخمة توزع من خلالها الالقاب علي الجمهور. 

كانت الألقاب المدنية قبل عام 1952 جزءا أساسيا من الحياة السياسية في مصر، ومنذ عهد محمد علي باشا وحتى عام 1914 كان منح الرتب والنياشين للمصريين من حق السلطان العثماني وحده، أو ما أطلق عليه المصريون وقتها "الباب العالي".
وتم تقسيم الرتب المدنية إلى 5 رتب هي:- 

الرياسة: تمنح لرؤساء الحكومة في المنصب أو خارجه، ويلقب صاحبها بلقب "حضرة صاحب الدولة".

الامتياز: تمنح للوزراء أو لمن في مقامهم بصفة استثنائية، ويلقب حاملها بلقب "حضرة صاحب المعالي".

الباشوية: تمنح لكبار الموظفين الذين لا تقل رواتبهم عن 1800 جنيه، ولكبار الأعيان الذين قدموا خدمات للبلاد، وتمنح بصفة استثنائية للمحافظين والمديرين الذين يبلغ أقصى مرتب درجتهم 1600 جنيه في السنة.

البكوية من الدرجة الأولى: تمنح للموظفين الذين لا تقل راتبهم عن 1200 جنيه في السنة.

البكوية من الدرجة الثانية: تمنح للموظفين الذين لا تقل راتبهم عن 800 جنيه في السنة. ويجوز منح البكوية بدرجتيها للأعيان المصريين الذين قاموا بخدمات للبلاد.

وبفضل الجمعيات الوهمية التي تعمل بالمخالفة للقانون، أصبح من السهل الحصول علي لقب ومستند يؤكد صحة اللقب، وبحسبة بسيطة تستطيع ان تصبح دكتور من خلال تبرعك بمبلغ 500 جنيه لواحدة من تلك الجمعيات ومن ثم الحصول علي اللقب في احتفالية ضخمة تلتقط خلالها بضعة صور توثق بها الحدث وتؤكد علي مزاعمك بأنك اصبحت "دكتور" ولا تحدثني عنها عن سنوات ما بعد التعليم الجامعي والمشقة التي يراها أهل العلم بحق للحصول علي تلك الدرجة العلمية الرفيعة. 

من منطلق تلك الكيانات سهل الحصول علي اللقب العلمي بغض النظر عن قيمتك الحقيقية، وعلي ضوء ذلك لماذا لا تصدر الدولة توجيهات للأجهزة التنفيذية بمنع تلك الممارسات؟ والسبب هو استعانة كثير من الشخصيات بتلك الالقاب في النصب علي البسطاء من المواطنين للتحايل عليهم واستنزافهم ماديًا. 

تجارة الألقاب في مصر ممنوعة ومحظورة بقوة الدستور ولكن لا حياة لمن تنادي مع الجمعيات الوهمية التي نجحت في تسويق ألقاب حديثة تتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة. 

الخلاصة، اللقب لا يصنع منك شخص نافع للمجتمع، لكن علمك وأخلاقك هما ما ينفعوا المجتمع وليس كل لقب يستحق صاحبة أن يحملة.

 

تم نسخ الرابط