في زحمة الحياة اليومية، حيث تتسارع الأحداث وتتداخل الأخبار، تلوح الشائعات كظلالٍ خفية، تنتشر بسرعة الرياح، وتخترق السكون بكل هدوء، لتصبح جزءًا من المألوف الذي لا نستطيع التخلص منه.
إنَّ الشائعة، في جوهرها، ليست سوى كلمة مشبعة بالمعلومات المغلوطة، لكنها لا تلبث أن تُزهر في عقول الناس، فتزهر معها مشاعر القلق والتوتر، وتتحول إلى سلاحٍ مدمر أكثر فتكًا من أي شيء ملموس.
في مصر، حيث يلتقي الحنين بالمستقبل والطموح بالمشاكل اليومية، تصير الشائعات أحيانًا سيدة الموقف، وأحيانًا كثيرة، ضيفًا غير مدعوّ يتسلل إلى المجالس والبيوت، يزعزع استقرار النفوس، ويُقلب الطمأنينة إلى فوضى.
تُولد الشائعة من تفاصيل صغيرة، ثم تنمو ببطء حتى تصبح وحشًا يلتهم الحقائق، ويترك وراءه أثرًا من الدمار المعنوي.
الشائعات، ليس فقط في مصر، بل في كل مكان، هي كالعصافير التي تُطلق في السماء، لا يمكنك أن تُعيدها إلى القفص بعد أن طارت، في مجتمعنا، تصبح الأخبار الزائفة، مهما كانت تافهة في بدايتها، كرة ثلج تكبر مع مرور الوقت، حتى تغطي الحقول والمزارع والبيوت.
قد تبدأ الشائعة بجملةٍ على لسان شخص عابر في مقهى شعبي، ثم تتنقل بسرعة البرق عبر الهاتف المحمول ووسائل التواصل الاجتماعي، لتصل إلى كل مكان، دون أن يجرؤ أحد على تدقيقها.
أخطر ما في الشائعات أنها تفسد العلاقات بين الناس، وتغذي مشاعر الخوف.
في مصر، حيث العلاقات الاجتماعية متشابكة ومتنوعة، قد تنجم عن الشائعات توترات عائلية، أو خلافات بين الأصدقاء، أو حتى أزمة ثقة بين المجتمع والحكومة، الشائعة قد تكون بداية لفرقة بين قلوب الناس، لتسحب معهم الأمل الذي نسجه الزمن ببطء.
وفي عصر السرعة، حيث لا وقت للتأكد من صحة الأخبار، تصبح الشائعة أسهل وأسرع وسيلة لزرع الفتن. إنها سلاح ذو حدين، إما أن تستخدمه لتدمير أوهام الآخرين، أو أن تساهم في نشر القلق والتوتر بين جموع الناس، لكن، في النهاية، لا أحد يربح من وراء الشائعات، سوى من يقف وراء تلك الخيوط الرفيعة التي تتناثر بيننا، لتنسي المجتمع حقيقةً قد تكون أصدق وأهم.
لقد حان الوقت أن نُدرك أن الشائعة لا تفرق بين غنيّ وفقير، ولا بين صغيرٍ وكبير، وأن مسؤوليتنا جميعًا أن نغسل عقولنا من هذه الأوحال الذهنية، ونُعيد الحياة إلى سياقها الطبيعي، حيث تكون الحقيقة وحدها هي الرائدة