”العمارة التقليدية في مصر.. الحاضر والمستقبل”.. ندوة بمسرح الهناجر
نظمت لجنة الفنون التشكيلية والعمارة بالمجلس الأعلى للثقافة، بالتعاون مع كل من الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وقطاع شئون الإنتاج الثقافي، ندوة ومعرض "العمارة التقليدية في مصر.. الحاضر والمستقبل"، بمسرح الهناجر، وقاعة العرض (آدم حنين) بمركز الهناجر للفنون.
وهدفت هذه الفعالية إلى إعادة تسليط الضوء على خصائص العمارة المحلية البيئية في الأقاليم المصرية وطابعها الأصيل، وعرض القيم التقليدية التي تبرزها بالإضافة إلى بعض الدروس المستفادة منها في العمارة المصرية المعاصرة.
وتضمن برنامج الفعالية ندوة مكونة من ثلاث جلسات، وافتتاح معرض يضم لوحات حول عمارة بدون معماريين، وجاء محور الجلسة الأولي "العمارة المحلية البيئية في الأقاليم المصرية.. تفاعل المكان والزمان والقيمة"، وأدار الجلسة الدكتور عادل يس، أستاذ العمارة والعميد الأسبق لمعهد الدراسات العليا والبحوث البيئية بجامعة عين شمس.
وأشار الدكتور طارق والي أنه سيعتمد على الكلمة وليس الصورة، رغم أهمية الصورة للموضوع، فالعمارة الشعبية (وفضل استخدام هذا المصطلح على العمارة التقليدية)، تعد مرجعية للمعماري بين التقليد والتجديد، مشيرًا إلى أن العمارة الشعبية جاءت نتيجة تراكم خبرات كثيرة تتوارثها الأجيال، وهي ليست جامدة، بل متواترة ومتطورة.
وأوضح أن مبدع تلك العمارة قد اكتسب الخبرة من جيل إلى جيل، وقد أمست العمارة في عصرنا الحالي مسئولية متخصص لديه الموهبة والفطرة والعلم، ونسميه اليوم "المعماري". فالعمارة رسالة تتعدى الزمان ولكنها تحترم المكان والإنسان.
وتحدث الدكتورحامد الموصلي عن المواد والعناصر الطبيعية والطابع المحلي، مطبقًا ذلك على نخيل التمر ودوره في العمارة التقليدية في مصر، مستشهدًا بقول الله تعالى في كتابه الكريم: "والنخل باسقات لها طلع نضيد، رزقًا للعباد..."، وقديما كان المصريون القدماء يجعلون قمم الأعمدة في المعابد على شكل القمة التاجية للنخيل، وكان جريد النخل رمزًا ملكيًّا، وقد كثرت استخدامات النخيل الذي كان رمزًا ملكيًّا، ولا سيما جريد النخل في صناعة المناخل والمطارح والسلال والأبواب، وكذلك الأثاث والزنابيل والجنبات التي يحملها الجمال، والحبال والأسقف.
ودعا الموصلي إلى إنشاء الشبكة الدولية لنخيل التمر، وتبادل المعلومات بين الدول والحكومات للاهتمام بنخيل التمر ووقايته من السوسة الحمراء، وما شابه.
وتحدث المهندس عصام صفي الدين حول العمارة الشعبية وعلاقتها بالعمارة الرسمية، وعمارة الصفوة، إذ تعد العمارة الشعبية أقدم بكثير من نظيراتها، ربما عشرات الآلاف من السنوات، في حين أن عمارة الطرز قد بدأت منذ سبعة أو ثمانية آلاف عام فقط على يد نارمر.
وأكد أن اهتمامه بالعمارة الشعبية يرجع إلى وقت مبكر في رحلته العلمية، وكيف حثه أساتذته حسن فتحي ورمسيس ويصا واصف على الاستمرار في ذلك المنهج الدراسي.
وأشار إلى أن من أهداف الاهتمام بالعمارة الشعبية الحفاظ على الهوية المعمارية، مع تبادل التأثير والتأثر بين العمارة الشعبية وعمارة الطرز.
واختتم حديثه بالإشارة إلى ضرورة الموازنة بين هندسية العمارة وشاعرية العمارة، وهذا أمر مهم، وليتنا نحافظ بقدر الإمكان على وجود محميات لموتيفات من المعمار الشعبي في مصر.
وعرض الدكتور جلال عبادة للعمارة المتوافقة لدى المعماري الراحل هاني المنياوي، وشاركت في إعداد تلك الورقة البحثية المهندسة سناء توبة أرملة الراحل.
ومن الجدير بالذكر أن المعماري الراحل هاني المنياوي كان يفضل العمل وسط الناس، وفي الشوارع، حيث الواقع، وقد يبدو المنظور المتكامل لهاني في العمارة المتوافقة بسيطًا، ولكنه في حقيقة الأمر منظور مركب. فالتعامل مع الإسكان والأفكار الغربية التي تعاقبت علينا كانت تتعامل مع السكن كمنتج أو سلعة، وأما هاني فقد كان يبحث عن السكن كعملية يندمج فيها حسن استخدام الموارد واحترام ثقافة البيئة، وهذا ما شكل فلسفته الأساسية لما يسمى بالعمارة المتوافقة.
وأشار إلى ثلاث مجموعات من المبادئ التي أقام عليها المنياوي فلسفته، ألا وهي: الفهم الواعي للبيئات العمرانية على اختلاف أماكنها، وتصميم تقنيات متوافقة، وأخيرًا البناء بالمشاركة. فالتوافق مع البيئة أمر مهم جدًّا، ولا بد من أخذه في الحسبان، وهذا هو لب فلسفة هاني المنياوي في عمارته.
وجاءت الجلسة الثانية بعنوان "التوجهات الحالية في العمارة المحلية المعاصرة في مصر، وأدارت الجلسة الدكتورة دليلة الكرداني، أستاذ العمارة بكلية الهندسة جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية، وعضو اللجنة.
وتضمنت عروضًا قصيرة للتجارب الجديدة في العمارة المحلية المعاصرة. ومن بينها عرض المهندسة رضوى رستم التي عرضت لشركة "هاند أوفر"، وهدفها الأساسي المتمثل في تنمية المجتمع عن طريق تصميم وتنفيذ منشآت صديقة للبيئة وبتكلفة محدودة، وتخدم مجال الاستدامة في البناء، وتدريب العمالة والطلبة، وجاءت القيم الأساسية للمشروع لخدمة البحث العلمي ونشر المعرفة والاستدامة والتصميم التشاركي مع المجتمع بالتركيز على الخامات الطبيعية وبالاعتماد على الموارد المتجددة، وتم استخدام تقنيات البناء من البيئة، بالطوب المضغوط، والبناء بالحجر، والتربة المدكوكة.
كما أشارت إلى تنوع المشروعات بين مجتمعية وخاصة، ومن النماذج التي نفذتها الشركة منزل بمنطقة عزبة أبو قرن، وكان نقطة الانطلاق ومحاولة تطبيق الأفكار على الواقع، ولا سيما داخل القاهرة، وكذلك مشروع مدرسة العياط المجتمعية، ومركز سانت كاترين الصحي.
وتحدث المهندس محمد الخطيب عن العمارة المحلية في إطار السياحة البيئية تطبيقًا على الفيوم، والمعروفة بما لها من قيمة تراثية على مدى التاريخ، فهي أهم موقع للحفريات في العالم كتراث معترف به من اليونسكو، وهي محطة مهمة لمراقبة الطيور على مستوى العالم، وعلى مستوى الفن فقد كان أول ظهور للبورتريه في الفيوم، متمثلًا في "وجوه الفيوم".
وتحدث الخطيب عن محميتي قارون ووادي الريان، وكيف بدأ برنامج الحفاظ على الطابع والتراث الريفي للفيوم والمناظر الطبيعية الريفية، مع إعادة إحياء الحرف اليدوية بالتعاون مع السكان، ويستهدف البرنامج الحرفيين في منطقة وسط الفيوم وتدريب أجيال جديدة بالاعتماد على الطابع المعماري المحلي، مع الاعتماد على الاحتكاك بالطبيعة، ويعتمد التشغيل على التركيز على التعليم البيئي.
ثم افتتح المعـــــرض (والذي يمتد حتى الأربعاء 15 مارس 2023).
فيما جاءت الجلسة الثالثة بعنوان "التوجهات الحالية في العمارة المحلية المعاصرة في مصر".
وأدار الجلسة المهندس الاستشاري محمد أبو سعدة، رئيس مجلس إدارة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.